أخبارمقالات

تقرير الندوة المنظمة بعنوان “قراءة في مشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية”

التعجيل باقرار القانون ومخاطر نسف “التوافق المنقذ” بالقطاع!

يعيش المغرب منذ أسابيع أياما عصيبة إثر انتشار وباء كورونا، فتغيرت معه رتابة الحياة بشكل غير مسبوق، بعد ان تعطلت جل خدمات أغلب الإدارات والمؤسسات، إن لم يكن جميعها. وقطاع العدل ليس استثناء من كل ذلك، حيث توقفت أغلب الجلسات وتعطلت معظم الاجراءات ولم يستثن من التعليق إلا قضايا المعتقلين والتحقيق وبعض القضايا الاستعجالية. كل هذا من أجل تخفيض عدد العاملين بالمحاكم والمتقاضين المترددين عليها، وكذا لتقليص فرص تجمع الأفراد كاجراء احترازي يتناغم مع اجراءات الدولة بعد فرض حالة الطوارئ الصحية.
وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات بقيت محاكم المملكة تعيش تحت ضغط رهيب مصدره العدد الكبير من المعتقلين والسجناء الذين يتم تقديمهم للمحاكمة كل يوم. ففي المدة الفاصلة بين منتصف مارس و21 أبريل فقط، سجلت المندوبية العامة لإدارة السجون أزيد من 20 ألف حالة إخراج إلى المحاكم، وأكثر من 500 حالة ترحيل قضائي، في حين تم تسجيل ما يناهز 6 آلاف وافد جديد على المؤسسات السجنية، مما يعني أن كل هذا العدد الهائل من السجناء قد مر أمام هيئات المحاكم ومرافقها، هذا دون احتساب الموضوعين تحت تدابير الحراسة النظرية والتي تسجل محكمة واحدة من حجم مدينة مراكش في يوم واحد فقط أزيد من مائتين وخمسين شخصا يتم تقديمهم أمام النيابات العامة قبل أن تقرر متابعتهم.

وقد دفع كل هذا بالجهات الوصية على السجون إلى دق ناقوس الخطر، قبل أن تنتبه وزارة العدل إلى حجم هذا الخطر الذي يتربص بمحاكم المملكة أيضا، وتذكرت -بعد أن نسيت أو تناست- أن تجربة بدأتها سنة 2016 تصلح اليوم أن تكون ملجأها لنجاح معادلة التوفيق بين تطبيق القانون من جهة، وبين تمتيع السجناء بحقوقهم من جهة أخرى، دون المخاطرة بأرواح رجال ونساء العدالة وكذا بأرواج ساكنة السجون.
نعم، بُعث التقاضي عن بعد من جديد، وأُطلق أمام أنظار الرأي العام، وبدت جميع أطياف العدالة –إلا من اختار الشرود- على قلب رجل واحد لوضع مسار جديد بمنطق الكبار، وأعلنت السلطة القضائية بعد أسبوع من العمل به اعتزازها بالنتائج الإيجابية الواعدة التي تحققت بعد أن تم عقد أزيد من 200 جلسة عن بُعد بمختلف الدوائر القضائية، وأدرجت خلالها ما يناهز 4 آلاف قضية همت أكثر من 4 آلاف معتقل، فيما تم البتّ في أكثر من 1200 قضية.
وفي مسار مواز، بدأت الوزارة في تسريع خطى تقنين هذا التقاضي، وأخرجت على عجل مسودة مشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية في الاجراءات القضائية، ضمنتها مقتضيات جديدة؛ أغلبها أو كلها ضُمنت في التعديلات التي همت قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية واللذان كُتب لهما الانتظار الطويل في مسار التشريع، لأسباب تبقى غامضة –وتلك قصة أخرى-. وطلبت بعد ذلك من الشركاء الاجتماعيين والمهنيين الإطلاع على المشروع وإبداء الرأي لكن داخل أجل قريب، وهو ما لم يرق للمعنيين، فاضطرت معه الجامعة الوطنية لقطاع العدل لمراسلة الوزير طالبة منه تمديد أجل التوصل بملاحظاتها بشأن المشروع إلى تاريخ لاحق يمكن معه إعداد ملاحظات تتناسب مع أهمية المشروع وتسمح بإعمال المقاربة التشاركية بالشكل السليم، مؤكدة أن مبررات الاستعجال غير متوفرة خصوصا وأن التقاضي عن بعد بدأ بدون مشاكل وسط توافق كل الهيئات الجادة، مضيفة أن بقية المقتضيات لن يتوقف عليها استمرار مرفق العدالة في الظرف الراهن.
نفس المنحى أكدت عليه جمعية هيئات المحامين، حيث انتقدت منهجية الوزارة التي لا تسعف في القيام بالمطلوب وتفرغه من الأهمية والجدية. وأضافت الجمعية أن إقرار هذا المشروع لا علاقة له بالاجراءات الاستثنائية المطبقة حاليا، والتي سينتهي العمل بها في وقت قريب. والتمست من وزير العدل تأجيل عرض المشروع على مسطرة التشريع ومنحها الوقت الكافي، لاستحالة ابداء موقف مبني عن دراسة واقتناع في ظل هذه الظروف.
أما نادي قضاة المغرب، وعلى الرغم من رفعه لمذكرة تعديلاته للوزارة، فإنه أكد على مطلبه بتأجيل النقاش في هذا القانون وفي كل القوانين الاخرى -التي لا تكتسي طابع الاستعجال- إلى حين زوال الظروف الناجمة عن الاجراءات المتخذة من السلطات العمومية للوقاية من انتشار وباء كورونا، وهي الظروف التي تجعل من المستحيل القيام بالمشاورات اللازمة والكافية مع القاضيات والقضاة ومختلف الفاعلين في مجال العدالة، بحسب النادي.
كل هذا وغيره، يؤكد أن كل الهيئات التي كانت وراء إنجاح التقاضي عن بعد، لها مقاربة مخالفة لمقاربة الفاعل الحكومي الذي يسارع الزمن بإقرار قانون حساس بطريق الاستعجال ودون مقاربة تشاركية سليمة مع كافة مهنيي العدالة، بما قد ينسف كل التوافقات التي أنقذت المحاكم في عز الأزمة التي تمر بها بلادنا.

يوسف العزاوي

عضو المكتب الجهوي للجامعة الوطنية لقطاع العدل بأكادير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى